يبدون بهيئة تشبه هيئة الرجال، يقطعن الخشب ويرعين المواشي ويجلسن في المقاهي الشعبية، لكنهن نساء لم يتزوجن ولم ينجبن لكن ذلك كان باختيارهن بكامل إرادتهن ولم يجبرهن أحد عليه، إنهن "عذارى ألبانيا" أو "البورنيشا".
هؤلاء السيدات هن آخر من تبقى من نساء "بورنيشا" يعشن في الأرياف المعزولة في شمال ألبانيا والقرى النائية في بعض دول البلقان. كلمة "بورنيشا" أقرب ما تكون بالمعنى لكلمة "مسترجلة" باللغة العربية، وهو تقليد قبلي بدأ في القرن الـ15، فعندما تفقد العائلة معيلها الرجل بسبب الحروب تأخذ الأخت الكبرى مسؤولية رعاية إخوانها الصغار والحفاظ على ممتلكات وأراضي العائلة، لكن لحمل المسؤولية تلك كان عليها اتخاذ نذر العزوبية أي أنها تنذر بعدم الزواج وإنجاب الأطفال لمدى الحياة، ويسمح لها في المقابل بالتمتع بكافة امتيازات الرجال كالبت في قضايا الأسرة والعمل خارج المنزل والقيادة وحمل السلاح، ولكي يتم تمييزهن بين الناس يقمن بقص شعورهن وارتداء ملابس الرجال ويتخلين عن جميع المظاهر الأنثوية.
تعدد الأسباب التي دفعت بالنسوة في ألبانيا لحذو هذا المنهج، فهناك من هربن من زيجات مدبرة برجال يكبروهن بالسن أعواماً كثيرة، وهناك من رفضن فكرة الزواج من أساسها ولم يرغبن بتحمل مسؤولية الاهتمام بالمنزل وإنجاب الأطفال وتربيتهم، لكن النتيجة كانت واحدة وهي الحصول على امتيازات الرجال في مجتمع لم يمنح المرأة الكثير من حقوقها.
الألبانية "غيستينا جريشاج" تبلغ من العمر 58 عاماً اختارت منذ 30 عاماً أن تصبح "بورنيشا" بعد وفاة والدها وشقيقها الأكبر.
الطهو وأعمال المنزل لم تستهو جريشاج وفضلت عليها حمل الحجارة على ظهرها وأعمال الزراعة وتقطيع الحطب، لكن الشيء الوحيد الذي أزعجها في هذه السن هو الشعور بالوحدة.
اليوم لم تتبق سوى عشرات من نساء "بورنيشا" فقد تغيرت ظروف المجتمع وبات مسموحاً للمرأة أن تعمل وتدرس وتمارس الكثير من الحقوق دون الحاجة الى أن تأخذ دور الرجل وصفاته.