اعتاد البشر أن يتقاسموا ملكية اليابسة، حيث تم اقتسام جميع مساحات القارات عبر التاريخ من خلال الحروب والغزوات والصراعات، حتى الصحارى والأنهار وقمم الجبال، جميعها تم تقاسمها الى آخر ميليمتر مربع، وتم تأسيس الحدود بين البلدان. لكن البحار والمحيطات تلك المساحات الشاسعة الزرقاء التي تغطي 71% من كوكبنا، لم تكن حت القرن الـ 20 ملكاً لأحد بل هي ملك للجميع. مع تطور الحضارة البشرية وما رافقه من تطور تقني وتكنولوجي هائل أصبح بمقدور الإنسان سبر أعماق المحيطات والاستفادة مما تخبئه من ثروات، واكتشف البشر فوائد البحار تتجاوز النقل والصيد واقتناص اللآلئ، فبدأت الصراعات تنشب حول المياه المالحة، وفي عام 1982 أصدرت الأمم المتحدة اتفاقية قانون البحار ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ حتى 1994، لاقت تلك الاتفاقية قبولاً عالمياً وغالباً ما يشار إليها بـ "دستور المحيطات"، إذ وفرت إطار عمل قانونياً دولياً للحفاظ على المحيطات واستخدامها بشكل مستدام. حدد قانون البحار حدود سيادة الدول ضمن المياه المالحة وبدأت التقسيمات، فالبحر الإقليمي تتمتع فيه الدولة الساحلية بالسيادة الكاملة حتى مسافة 12 ميلاً بحرياً، تليه "منطقة متاخمة" حتى مسافة 24 ميلاً وهي منطقة عازلة تتمتع فيها الدولة بسلطة محدودة لمنع الانتهاكات في منطقتها الإقليمية، ثم المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تمتد حتي 200 ميل بحري وتمتلك فيها الدولة ولاية قضائية لاستغلال الموارد البحرية وإدارتها وبعد مسافة 200 ميل من الشاطئ تبدأ منطقة "أعالي البحار" التي هي خارج نطاق ولاية أي دولة. تلت تلك الاتفاقية اتفاقيات أخرى تتعلق بالتعدين في قاع البحار والأرصدة السمكية وكانت آخرها "معاهدة حماية التنوع البيولوجي في أعالي البحار" التي تم إقرارها في الأمم المتحدة في يونيو 2023 بعد محادثات استمرت 15 عاماً، والتي وفرت لأول مرة أساساً قانونياً لحماية ما يعادل أكثر من 60% من محيطات العالم، وحفظ التنوع البيولوجي البحري وتقاسم المنافع الناشئة عن استخدام الموارد البحرية بطريقة مستدامة عادلة ومنصفة في أعالي البحار الواقعة خارج نطاق الولاية الوطنية. حيث أدرك العالم أهمية المحيطات فسعى جاهداً لاستثمارها وتنظيم اقتسامها بالقانون.